أسطورة شاعت بيننا، أخذت تنمو وتكبر وتستمد طاقتها وقوتها من إنجازاتنا وتقدمنا حتى تمكنت وسادت وسيطرت علينا فحولناها الى حقيقة بإرادتنا، ندافع عنها وندعو إليها وكأنها السبيل الى كل خير نسعى اليه، إنها اسطورة التنافس.
التنافس الذي نتكبد العناء والجهد في جعله الدافع إلى الإنجاز والنجاح ولكي نحسن بشاعته غطيناه بقناع زائف اسمه التنافس الشريف.
ولو كان التنافس خيرا لحثنا الله ورسوله عليه.
فلم يرد لفظ التنافس في القرآن الكريم إلا في قوله تعالى {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين:26] وهذه الآية الكريمة بينت أن ما يستحق التنافس هو السعي لرضا الله وجنته فالتنافس مطلوب للآخرة وهو السبيل للإجتهاد والعمل الصالح والتقرب إلى الله، وقد أمر الله سبحانه بالتسابق والمسارعة ولكن للوصول إلى الجنة والدرجات العلى.. قال تعالى {فاستبقوا الخيرات} [البقرة:148].
وأما في أمور الحياة فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتعاون والتآزر فقال سبحانه {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} [المائدة:2].
كما أن رسولنا الكريم الذي ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه ولا شرا إلا حذرنا منه لم يدع أحدا من أصحابه إلى التنافس بل كان يدعو إلى التعاون والتلاحم بين المؤمنين حتى يكونوا كالجسد الواحد.
ولو نظرنا إلى واقعنا نجد الأثر السلبي للتنافس على جميع الأصعدة بدءًا بالمدارس وما يعانيه الطلاب من توتر وقلق للحصول على الترتيب الأول فيركز الطالب إهتمامه على الوصول دون رغبة في العلم والإستفادة مما تعلمه وتوظيفه في حياته، وما يشعر به من هم أدنى في مستواهم التحصيلي نتيجة ليأسهم من إمكانية وصولهم لهذا المستوى، وما يتبعه من ظهور الحسد والغيرة والتعادي نتيجة هذه المشاعر بين الطلاب.
وحين يتخرج الشاب ويلتحق بعمله، ينضم إلى الركب بقناعات وممارسات رسخت حول التنافس، فيجتهد في إنجاز عمله وغدا وجد منافسا له تركزت جهوده على مواجهته واعتباره خصما له فيخرج من دائرة التركيز على تحقيق أهدافه وإنجاز أعماله إلى دوائر مشتتة له ومهدرة لطاقاته فيكون {كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً} [النحل:92].
إن قَدَم عملا ولاقى ملاحظات من غيره إعتقد أن من حوله يسعى لثنيه عن التميز غيرة وحسدا وإن أنجز غيره وتميز أخذ يبحث عن مواطن الضعف في إنجازات صاحبه.
ـ والنتيجة: لا منجزات ولا تميز.
* ولو نظرنا بتمعن لجميع الشركات والهيئات والأشخاص الذين تميزوا ونجحوا لوجدنا عاملا مشتركا بينهم وهو العمل بروح الفريق وتركيزهم على تحقيق الهدف وتقديم الدعم والمؤازرة فيما بينهم فإذا سمونا بأهدافنا وركزنا جهودنا وتعاونا جميعا نافسنا العالم بل سبقناه في تقدمنا وحضارتنا وإختراعاتنا ولكن إن أشغلنا أنفسنا وأهدرنا طاقاتنا بالتنافس فيما بيننا سبقنا السابقون.
وحتى في المجالات التي تتطلب التنافس كالرياضة والصحافة لن نحقق النجاح إن جعلنا التنافس غاية لا وسيلة.
ولكن كيف نعمل بروح الفريق ونقضي على هذه الأسطورة؟ وكيف نثير الحماس بين المتعلمين والموظفين بدون تنافس؟!
لا بد أن نؤمن بأن التنافس لايولد الطاقة ولا يثير الحماس ولكن المولد الحقيقي هو الرغبة في النجاح وإشباع الحاجة الى تحقيق الذات والحاجة الى التقدير.
فلن يكون التغيير بنشر الشعارات والكلمات والرنانة ولكن بالتخطيط الجيد.
أولا: وتشجيع المعلمين لطلابهم وحثهم على إكتساب العلم والمعرفة رغبة في الإنتفاع بهذا العلم في حياتهم والسعي للنجاح الذي يمكنهم من تحقيق أهدافهم، كما يساعدوا طلابهم للوقوف على موطن القوة والتميز لديهم وإن لم يكن هذا التميز دراسيا ويشيدوا بأي تقدم وتحسن وصل اليه طلابهم وإن كان بسيطا.
ثانيا: بتدريب ابنائنا على مهارات النجاح وبناء تقدير الذات منذ نعومة أظفارهم حتى يكونوا فاعلين ينبع النجاح من داخلهم ويكتشفوا قدراتهم ولا يكونوا بحاجة لمحفز وهمي يدفعهم كالتنافس.
من يعتقد أن التنافس أمر مطلوب فليتنافس مع كل فرد من أفراد المجتمع في مساعدة الآخرين وفي نظافة المرافق العامة والشواطئ ومحاربة السرعة أثناء قيادة السيارات ونشر ثقافة إحترام الآخر وقيمة العلم والقضاء على التدخين في المرافق العامة.
أخـــيرا:
نجاحنا الحقيقي يقاس بمنجزاتنا التي يظهر أثرها في إبنائنا ومجتمعنا ووطننا لا بعدد ما حصلنا عليه من شهادات تقدير وتميز وما قدمناه للمسؤولين من منجزات لم تفارق الورق الذي سطرت فيه.
إن لم نلمس أثر جهودنا في واقعنا فجهودنا مجرد أسطورة كأسطورة التنافس.
الكاتب: ريما عبد الرحمن الهويش.
المصدر: موقع المستشار.